سيدنا ادم "الجزء الرابع "
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
سيدنا ادم "الجزء الرابع "
موجز قصة سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام
من هو سيدنا آدم؟.
سيدنا آدم هو ذلك المخلوق الكريم الذي بدأ الله تعالى به البشر جميعاً فأسكنه وزوجه الأرض وجعله الأب الأول للبشر كافة فكان الناس كلهم أبناء هذا المخلوق الكريم، وهم في الحقيقة إخوة مهما تناءت بهم الديار واختلفت عليهم المواطن والأقطار.
سيدنا آدم عليه السلام هو ذلك الإنسان العظيم الذي فاق بحبِّه لخالقه الملائكة الكرام فكان بما ظهر منه من صدق مع الله وحبّ لله ومعرفة لكمال الله أهلاً لأن يسجد له الملائكة كلّهم أجمعون فيكون سراجاً منيراً لنفوسهم وإماماً لهم في إقبالهم على خالقهم.
سيدنا آدم هو ذلك الرسول الذي اختاره الله تعالى بما علم فيه من صدق المحبة وشغف بالكمال لأن يقف من ذريته موقف المعلِّم الأول يُريهم قابلية الإنسان للتفوق والسمو على سائر المخلوقات ويضرب لهم بمحبته لربه المُثل العليا التي تجعل من الإنسان إن هو اقتفى أثرها مخلوقاً كريماً يسمو بكماله الإنساني وحبِّه لخالقه على المخلوقات فيكون أرفعها مكانة وأعلاها عند الله درجة ومنزلةً. ولكن تاه عن المراد الإلهي من قصة هذا الرسول الكريم كثير من الناس ولم يروا ما أشار إليه القرآن في الآيات الكريمة من المعاني السامية فتأوَّلوها بخلاف ما أُنزلت من أجله وبخلاف ما أراد الله. وذلك ممَّا جعلنا نتعرَّض لهذه القصة فنشير إلى النقط الهامة، فإذا استطاع الإنسان أن يدرك كمال هذا الرسول فعندئذٍ تتبيَّن جميع النقاط ويدرك المراد الإلهي من سائر الآيات.
سيدنا أدم عليه السلام خليفة الله في الأرض:
أخبر الله ملائكته قبل أن يخلق آدم ويخرجه لهذه الدنيا أنه جاعل في الأرض خليفة، ومقام الخلافة إنَّما هو مقام عظيم يقتضي أن يكون الخليفة قائماً بأعباء أمور ثلاثة:
أن يكون نائباً عن الله تعالى في تبليغ أوامره ورسالاته لخلقه.
أن يكون حاكماً يسهر على تطبيق تلك الأوامر وإحقاق الحق بين رعيته.
أن يكون مهبطاً للتجليات الإلهية، فكل من ارتبطت نفسه به كان له سراجاً منيراً يستطيع بصحبته أن يتوصل إلى رؤية أسماء الله الحُسنى ومشاهدة كماله.
وبما أن مقام الخلافة يعود على صاحبه بالقرب زلفى من خالقه لذلك تمنَّى الملائكة أن يكون لهم شرف هذا المقام العظيم طمعاً بما يعود على صاحبه من الخير فقالوا في أنفسهم وقد كانوا رأوا ما فعله إبليس من الفساد في الأرض: {..أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ..} وما أن خطر لهم ذلك الخاطر حتى وقع في نفوسهم الرد على قولهم فسمعوا قوله تعالى: {..إِنّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} أي إني أعلم من سبق آدم في حبِّه إياي وأهليته لهذا المقام مالا تعلمونه أنتم فيه.
وخلق الله تعالى سيدنا آدم فكان له من حبِّه لربِّه وإقباله العالي عليه ما جعله يُشاهد جميع أسماء الله تعالى الحُسنى الدّالة على الكمال الإلهي مشاهدة تفوَّق بها على الملائكة جميعاً وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا..}.
وقد أراد تعالى أن يُري الملائكة شرف آدم عليه الصلاة والسلام في سبقه إيَّاهم في تلك المعرفة فطلب منهم بواسطة آدم أن يتكلَّموا عن تلك الأسماء الحُسنى ويبيِّنوا ما شاهدوه منها. وإلى ذلك تشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلائِكَةِ فَقَال أنبِئوني بِأسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أي: إن كنتم صادقين في أنَّكم أهل لمقام الخلافة، وتكلَّم الملائكة وبيَّنوا عن تلك الأسماء بما يتناسب مع حبِّهم وإقبالهم، وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إلاَّ مَا عَلَّمتَنَا إِنَّكَ أَنتَ العَلِيمُ الحَكيمُ}.
سجود الملائكة لسيدنا آدم عليه السلام:
وبعد أن بيَّن الملائكة ما بيَّنوه، أمر تعالى سيدنا آدم ع السلام أن ينبِّئهم بما يعرفه عن تلك الأسماء الحُسنى بما يظهر به سبقه وتفوُّقه، وذلك ما تُشير إليه الآية الكريمة في قوله تعالى: {..يَا آدَمُ أَنْبِئهُم بِأسْمَائِهِمْ..} أي: عرِّفهم عمَّا عرفوه هم عن أسمائي.
عندئذٍ تكلَّم سيدنا آدم عن تلك الأسماء الحُسنى فبيَّن بياناً فاق به الملائكة جميعاً، وذلك ممّا جعلهم يقرّون له بالفضل ويعترفون بأنه إنما سبقهم في حبِّه لربِّه ومعرفته بخالقه سبقاً لا يدانونه فيه فأذعنوا إليه بنفوسهم خاضعين، وأقبلوا بمعيَّته على خالقهم، وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا للمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ..} .
لقد سجد الملائكة كلهم أجمعون لهذا الرسول الكريم، وما سجودهم إلاَّ ذلك الخضوع النفسي، وهنالك كان هذا الرسول الكريم إماماً لهم في إقبالهم على خالقهم وسراجاً منيراً لنفوسهم.
المراد الإلهي من ذلك الأمر بالسجود وحقيقة الشفاعة:
وقد أراد الله تعالى أن يرشدنا بهذه القصة إلى شأن الارتباط بالنفوس العالية ليكون لنا من سجود الملائكة الكرام لآدم مثل أعلى نحذو حذوه وقدوة نقتدي بها. فهؤلاء الملائكة الكرام بما اشتقته نفوسهم من الكمال بوجهتها إلى الله استطاعوا أن يقدِّروا في أدم ع السلام سبقه إياهم في المعرفة بالله وتفوّقه عليهم في محبة الله وهنالك لمّا أُمروا بالسجود له سجدوا جميعاً معترفين بفضله مقبلين على الله بمعيَّته.
وكذلك المؤمن بما اشتقته نفسه من الكمال بوجهتها إلى الله إذا هو نظر إلى أهل الكمال قدَّرهم ووقَّرهم وخضع بنفسه لمقامهم العالي الرفيع.
وبهذا الخضوع والتقدير تقبل نفس هذا المؤمن على نفوس أهل الكمال وترتبط بها فينعكس في نفسه الصافية التي هي في صفائها أشبه بالمرآة ذلك النور الإلهي المتوارد على مرآة نفوسهم انعكاساً وبمقدار متناسب مع تقديره إياهم وارتباطه بهم، وحينئذٍ يكونون بهذا النور سراجاً منيراً لنفسه ويكشف له هذا النور طرفاً من الكمال الإلهي.
وبما أنَّ النفوس مفطورة على حبِّ الجمال والكمال لذلك تجد هذا المؤمن يعشق الكمال الإلهي وتشغف نفسه بحُب الله تعالى ويكون هذا التقدير والتوقير وإن شئت فقل هذا الاستشفاع والارتباط بتلك النفوس العالية الكريمة سبباً ووسيلة في الوصول إلى هذه الاستنارة والرؤية للكمال الإلهي وبالتالي إلى هذا العِشق ولعمري تلك الشفاعة هي الشفاعة الحقيقية شفاعة ارتباط نفس بنفس في طريق إقبالها على الله ليسمو القوي بالضعيف وينهض الأعلى بالأدنى ويعرج به في معارج القُدس ومشاهدة الكمال.. كما عرج رسول الله صلي الله عليه وسلم بنفوس أصحابه الكرام.
الشفاعة طريق التقوى ووسيلتها:
إذا ما توصَّلت النفس المؤمنة بصحبة تلك النفس العالية الكريمة وارتباطها بها إلى شهود الكمال الإلهي وارتقت إلى منزلة الحب والعشق لصاحب الكمال والجمال كان حبها وعشقها سبباً في إقبالها على ربها وبهذا الإقبال على الله تشتق هذه النفس قبساً من نور الله تعالى يُضيء لها طريقها فإذا هي مستنيرة مبصرة قد خرجت من الظلمة إلى النور ترى بهذا النور الإلهي الحق من الباطل والضار من النافع. ترى الخير خيراً فتحبه وتميل إليه وتشكر خالقها على أن أرشدها إليه فتزداد إقبالاً عليه تعالى وترتقي في منازل المعرفة والعلم درجة فدرجة، كما ترى الشرَّ شرّاً فتأنف منه وتعافه وتشكر خالقها على أن حذَّرها منه، وتلك هي حقيقة التقوى فهي اتقاء بذلك النور الإلهي واستنارة به من الوقوع في المهالك، وإلى هذه المنزلة السامية حضَّ تعالى في كتابه الكريم عباده المؤمنين فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الذينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَ آمِنُوا بِرَسُولهِ يُؤتِكُمْ كِفْلَينِ مِن رَحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ}.
موقف الشيطان من سيدنا آدم:
عرفنا موقف الملائكة الكرام من سيدنا آدم، أمَّا إبليس الذي كان من قبل كافراً بفضل الله ونعمته كما أشار تعالى إلى ذلك في كتابه الكريم ذلك المخلوق الذي لم يكن له إقبال على ربّه فلم تكتسب نفسه شيئاً من الكمال، لمَّا أُمر بالسجود لآدم أبى واستكبر، وما إباؤه واستكباره إلاَّ لكفره السابق وإعراضه، فإنه لا يعرف الفضل إلاَّ ذووه، ولا يعرف قدر رسل الله إلاَّ المقرَّبون إلى الله، ولا يُقدِّر أهل الكمال إلا من تحلَّت نفسه بحلية الإيمان واصطبغت من خالقها بصبغة الكمال.
سيدنا آدم في الجنة:
وقد أمر تعالى سيدنا آدم أن يسكن وزوجه الجنة فيأكلا منها رغداً، وفي الجنة وما فيها من نعيم، وأسمى نعيم فيها ذلك الإقبال على الله والشهود لجمال الخالق الأسنى وكماله الذي لا يتناهى، وقد ملك هذا الشهود على سيدنا آدم مشاعره فإذا هو سابح مستغرق فيه وقد أمره ربُّه أن لا يقرب الشجرة وحذَّره من عداوة الشيطان ومكره وما يكنّه نحوه من الضغينة، وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {فقُلنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدوٌ لَكَ وَلِزَوجِكَ فَلا يُخرِجَنَّكُما مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى، إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى، وَأنَّكَ لا تَظْمَؤُاْ فِيهَا وَلا تَضْحَى}.
سيدنا آدم والأكل من الشجرة:
ظلَّ سيدنا آدم عليه السلام في ذلك الحال النفسي مستغرقاً في شهود الكمال الإلهي يأكل من الثمرات رغداً دون أن يقربها ويجعل مادتها في فمه، بل كانت تسري أشعة نفسه إليها فتتذوقها ذوقاً متواصلاً كما تمتد أشعة الشمس إلى أعماق المياه فتخالطها وتسري فيها دون أن يدنو جرمها منها وقد رأى الشيطان من سيدنا آدم حبّه العالي لربه وإقباله المتواصل عليه فأحزنه ذلك وظنَّ أنه يستطيع أن يحوِّل هذا الرسول الكريم عن ذلك الحال من الشهود والإقبال ولذلك حاول أن يوقعه في مخالفة وصية الله فلعلَّه إذا أكل من الشجرة وآنس من نفسه مخالفة وصية خالقه يخجل منه ويتباعد عنه، ولذلك جاء سيدنا آدم فقال: {..يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَة الخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} أي: أتريد أن أدلَّك على الشجرة التي إذا أكلت منها خلدت نفسك في ذلك الشهود لكمال خالقك وملكت هذا الحال من الإقبال عليه فلم تنقطع عنه أبداً؟
وأقسم الشيطان بالله لسيدنا آدم وزوجه بأنهما إذا أكلا من الشجرة وجعلا مادتها في جوفهما خلدا في ذلك الشهود الجميل والإقبال الرفيع.
هنالك غلب على سيدنا آدم حبُّه لخالقه وأكل من الشجرة وأكلت زوجه منها وأنساه حبُّ الله وصية الله. وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدنَا إِلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ}: أي نسي وصيتنا نسياناً {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً}: أي لم نجد له عزماً على مخالفتنا.
وبهذا الأكل من الشجرة ظهر للملائكة الكرام حبُّ سيدنا آدم العالي لربِّه وسبقه إيَّاهم في هذا المضمار، وما مثل سيدنا آدم مع الملائكة في سبقه إيَّاهم في محبة ربِّه إلاَّ كمثل والدة أوصت ولديها الصغيرين ألاَّ يركضا في سيرهما، ومن بعد غياب طويل عادت الأم إليهما فما أن رآها أحدهما حتى غلب حبُّه إيَّاها عليه فأنساه وصيتها وهرع إليها مسرعاً فوقع ساقطاً على الأرض، وأمَّا الآخر فسار إليها سيره المعتاد حسب وصيتها، تُرى أي ولديها أكثر حبّاً لها؟. أليس الذي أنساه حبّه إياها وصيتها هو الأكثر تعلقاً بها والأعظم حبّاً؟
وإذاً فما هذا النهي عن الأكل من الشجرة إلاَّ امتحان واختبار أظهر به تعالى وهو العليم بما انطوت عليه كل نفس، شرف سيدنا آدم عليه السلام وحبَّه لربِّه وبيَّن بذلك للملائكة الكرام أن سبْق آدم وتفوُّقه عليهم في معرفته بأسماء الله ناشىء عن تفوُّقه عليهم في محبة الله وما هذه القصة إلاَّ كدرس بليغ يرينا به الله تعالى مقام هذا الرسول الكريم وسبب اصطفائه إياه كما يحذرنا به من عداوة الشيطان ومكره، وهو يعرِّفنا أنَّ من كان أكثر لربِّه حبّاً كان أكثر به معرفةً وأكثر علماً: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضرِبُهَا للنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُها إلاَّ العَالِمُونَ}.
نتائج الأكل من الشجرة:
كان سيدنا آدم عليه السلام قبل الأكل من الشجرة في حال نفسي مغاير لهذا الحال الذي نحن عليه الآن لقد كانت نفسه ثوباً ساتراً لجسده تُحيط به من كل ناحية كما يُحيط لهب الشمعة بالفتيل فإذا كان الجسد بمثابة الفتيل فالنفس بمثابة الضياء والشعلة، وهي والحالة هذه كلها عيون وكلها سمع وكلها ألسنة وذوق، ذلك كان حال سيدنا آدم من قبل وذلك هو حال أهل الجنة في الجنة.
وما أن أكل من الشجرة ووضع مادتها في فمه وأكلت معه زوجه حتى تبدَّل بهما الحال وهبطا منه إلى حال آخر فدخلت النفس إلى قفص الجسد وصارت ضمنه فعن طريقه أصبحت تسمع وترى وبواسطته غدت تتذوق وتشم وتتكلم. وقد أصبحت في هذا الحال الجديد مضطرة إلى السعي والعمل تأميناً لحاجات الجسد من مسكن وملبس ومطعم ومشرب إلى غير ذلك مما يتطلب جهداً متواصلاً وسعياً لا يفتر. ذلك هو الحال الجديد الذي صار إليه سيدنا آدم وزوجه وصار إليه بنوه من بعده وهو كما ترى مختلف كل الاختلاف عن حاله الأول الذي أشارت إليه الآية الكريمة التي مرَّت بنا من قبل وهي قوله تعالى: {إنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لا تَظْمؤا فِيهَا وَلا تَضْحَى}.
ولكن أي الحالين هو أجدى للإنسان فائدة وأكثر له نفعاً؟.
أثر العمل في تسامي النفس وقُربها من خالقها:
لا ريب أنَّ الحال الثاني هو أنفع من الأول بكثير، ففيه دخل سيدنا آدم وزوجه ودخلت ذريتهما من بعدهما في معترك الحياة، حيث العمل وحيث الإيثار والتضحية اللذان يتمايز بهما الناس على بعضهم بعضاً. ومن قواعد النفس الثابتة أنها لا تُقبل بوجهها على أحد إلاَّ إذا كانت لها أعمال عالية تجعلها واثقةً من رضاء من تُريد أن تقبل عليه، وكلَّما كانت ثقتها أكبر وجدت أنَّها أقرب إليه زلفى وأحظى عنده منزلةً.
وهذه الناحية النفسية وأعني بها الثقة التي يولِّدها العمل الصالح في النفس فيجعلها تسير قُدماً وتعرج متسامية إلى خالقها، أقول: هذه الثقة التي هي أساس القرب وسر السعادة هي التي جعلت من هذه الدار الدنيا دار العمل ممراً وطريقاً إلى الدار الآخرة، حيث الجنات والنهر في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر. وإذاً فالعمل وسيلة القُرب من الله وسبيل التمتع بذلك الشهود والنعيم الأبدي في الجنة فكلَّما كان الإنسان أحسن عملاً كان أوفر بالتمتع بذلك الجمال والكمال الإلهي حظّاً، وإنه لن يندم الإنسان ساعة موته على شيءٍ إلاَّ على تفريطه وتقصيره في العمل الصالح وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {حَتَى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ..}.
{وأَنفِقُوا مِنْ مَا رزَقْنَاكُم مِن قَبْلِ أَن يَأْتِي أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَني إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِنَ الصَّالِحينَ}.
وهكذا فهبوط سيدنا آدم إلى هذا الحال وهبوط ذرِّيته من بعده إن هو إلاَّ وسيلة السمو المتزايد والرفعة التي لا حدَّ لها، والله تعالى منذ أن خلق آدم e إنَّما خلقه ليُسكنه الأرض حيث العمل الموصل إلى التمتع بأكبر حد من عطاء الله وفضله، غير أنه تعالى إنَّما جعل ذلك السبيل الذي سلَّكه به محكاً كشف به تعالى معدن هذا الرسول الكريم وأظهر به شرفه العظيم وجعل لنا من ذلك درساً وعبرة {..وما يَتَذَكَّر إلاَّ مَن يُنِيب}.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
قارئ هذه الرساله أستحلفك بالله أن تدعوا وتقول اللهم أغفر لمن تعاونوا علي نشر هذه الرساله
من هو سيدنا آدم؟.
سيدنا آدم هو ذلك المخلوق الكريم الذي بدأ الله تعالى به البشر جميعاً فأسكنه وزوجه الأرض وجعله الأب الأول للبشر كافة فكان الناس كلهم أبناء هذا المخلوق الكريم، وهم في الحقيقة إخوة مهما تناءت بهم الديار واختلفت عليهم المواطن والأقطار.
سيدنا آدم عليه السلام هو ذلك الإنسان العظيم الذي فاق بحبِّه لخالقه الملائكة الكرام فكان بما ظهر منه من صدق مع الله وحبّ لله ومعرفة لكمال الله أهلاً لأن يسجد له الملائكة كلّهم أجمعون فيكون سراجاً منيراً لنفوسهم وإماماً لهم في إقبالهم على خالقهم.
سيدنا آدم هو ذلك الرسول الذي اختاره الله تعالى بما علم فيه من صدق المحبة وشغف بالكمال لأن يقف من ذريته موقف المعلِّم الأول يُريهم قابلية الإنسان للتفوق والسمو على سائر المخلوقات ويضرب لهم بمحبته لربه المُثل العليا التي تجعل من الإنسان إن هو اقتفى أثرها مخلوقاً كريماً يسمو بكماله الإنساني وحبِّه لخالقه على المخلوقات فيكون أرفعها مكانة وأعلاها عند الله درجة ومنزلةً. ولكن تاه عن المراد الإلهي من قصة هذا الرسول الكريم كثير من الناس ولم يروا ما أشار إليه القرآن في الآيات الكريمة من المعاني السامية فتأوَّلوها بخلاف ما أُنزلت من أجله وبخلاف ما أراد الله. وذلك ممَّا جعلنا نتعرَّض لهذه القصة فنشير إلى النقط الهامة، فإذا استطاع الإنسان أن يدرك كمال هذا الرسول فعندئذٍ تتبيَّن جميع النقاط ويدرك المراد الإلهي من سائر الآيات.
سيدنا أدم عليه السلام خليفة الله في الأرض:
أخبر الله ملائكته قبل أن يخلق آدم ويخرجه لهذه الدنيا أنه جاعل في الأرض خليفة، ومقام الخلافة إنَّما هو مقام عظيم يقتضي أن يكون الخليفة قائماً بأعباء أمور ثلاثة:
أن يكون نائباً عن الله تعالى في تبليغ أوامره ورسالاته لخلقه.
أن يكون حاكماً يسهر على تطبيق تلك الأوامر وإحقاق الحق بين رعيته.
أن يكون مهبطاً للتجليات الإلهية، فكل من ارتبطت نفسه به كان له سراجاً منيراً يستطيع بصحبته أن يتوصل إلى رؤية أسماء الله الحُسنى ومشاهدة كماله.
وبما أن مقام الخلافة يعود على صاحبه بالقرب زلفى من خالقه لذلك تمنَّى الملائكة أن يكون لهم شرف هذا المقام العظيم طمعاً بما يعود على صاحبه من الخير فقالوا في أنفسهم وقد كانوا رأوا ما فعله إبليس من الفساد في الأرض: {..أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ..} وما أن خطر لهم ذلك الخاطر حتى وقع في نفوسهم الرد على قولهم فسمعوا قوله تعالى: {..إِنّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} أي إني أعلم من سبق آدم في حبِّه إياي وأهليته لهذا المقام مالا تعلمونه أنتم فيه.
وخلق الله تعالى سيدنا آدم فكان له من حبِّه لربِّه وإقباله العالي عليه ما جعله يُشاهد جميع أسماء الله تعالى الحُسنى الدّالة على الكمال الإلهي مشاهدة تفوَّق بها على الملائكة جميعاً وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا..}.
وقد أراد تعالى أن يُري الملائكة شرف آدم عليه الصلاة والسلام في سبقه إيَّاهم في تلك المعرفة فطلب منهم بواسطة آدم أن يتكلَّموا عن تلك الأسماء الحُسنى ويبيِّنوا ما شاهدوه منها. وإلى ذلك تشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلائِكَةِ فَقَال أنبِئوني بِأسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أي: إن كنتم صادقين في أنَّكم أهل لمقام الخلافة، وتكلَّم الملائكة وبيَّنوا عن تلك الأسماء بما يتناسب مع حبِّهم وإقبالهم، وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إلاَّ مَا عَلَّمتَنَا إِنَّكَ أَنتَ العَلِيمُ الحَكيمُ}.
سجود الملائكة لسيدنا آدم عليه السلام:
وبعد أن بيَّن الملائكة ما بيَّنوه، أمر تعالى سيدنا آدم ع السلام أن ينبِّئهم بما يعرفه عن تلك الأسماء الحُسنى بما يظهر به سبقه وتفوُّقه، وذلك ما تُشير إليه الآية الكريمة في قوله تعالى: {..يَا آدَمُ أَنْبِئهُم بِأسْمَائِهِمْ..} أي: عرِّفهم عمَّا عرفوه هم عن أسمائي.
عندئذٍ تكلَّم سيدنا آدم عن تلك الأسماء الحُسنى فبيَّن بياناً فاق به الملائكة جميعاً، وذلك ممّا جعلهم يقرّون له بالفضل ويعترفون بأنه إنما سبقهم في حبِّه لربِّه ومعرفته بخالقه سبقاً لا يدانونه فيه فأذعنوا إليه بنفوسهم خاضعين، وأقبلوا بمعيَّته على خالقهم، وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا للمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ..} .
لقد سجد الملائكة كلهم أجمعون لهذا الرسول الكريم، وما سجودهم إلاَّ ذلك الخضوع النفسي، وهنالك كان هذا الرسول الكريم إماماً لهم في إقبالهم على خالقهم وسراجاً منيراً لنفوسهم.
المراد الإلهي من ذلك الأمر بالسجود وحقيقة الشفاعة:
وقد أراد الله تعالى أن يرشدنا بهذه القصة إلى شأن الارتباط بالنفوس العالية ليكون لنا من سجود الملائكة الكرام لآدم مثل أعلى نحذو حذوه وقدوة نقتدي بها. فهؤلاء الملائكة الكرام بما اشتقته نفوسهم من الكمال بوجهتها إلى الله استطاعوا أن يقدِّروا في أدم ع السلام سبقه إياهم في المعرفة بالله وتفوّقه عليهم في محبة الله وهنالك لمّا أُمروا بالسجود له سجدوا جميعاً معترفين بفضله مقبلين على الله بمعيَّته.
وكذلك المؤمن بما اشتقته نفسه من الكمال بوجهتها إلى الله إذا هو نظر إلى أهل الكمال قدَّرهم ووقَّرهم وخضع بنفسه لمقامهم العالي الرفيع.
وبهذا الخضوع والتقدير تقبل نفس هذا المؤمن على نفوس أهل الكمال وترتبط بها فينعكس في نفسه الصافية التي هي في صفائها أشبه بالمرآة ذلك النور الإلهي المتوارد على مرآة نفوسهم انعكاساً وبمقدار متناسب مع تقديره إياهم وارتباطه بهم، وحينئذٍ يكونون بهذا النور سراجاً منيراً لنفسه ويكشف له هذا النور طرفاً من الكمال الإلهي.
وبما أنَّ النفوس مفطورة على حبِّ الجمال والكمال لذلك تجد هذا المؤمن يعشق الكمال الإلهي وتشغف نفسه بحُب الله تعالى ويكون هذا التقدير والتوقير وإن شئت فقل هذا الاستشفاع والارتباط بتلك النفوس العالية الكريمة سبباً ووسيلة في الوصول إلى هذه الاستنارة والرؤية للكمال الإلهي وبالتالي إلى هذا العِشق ولعمري تلك الشفاعة هي الشفاعة الحقيقية شفاعة ارتباط نفس بنفس في طريق إقبالها على الله ليسمو القوي بالضعيف وينهض الأعلى بالأدنى ويعرج به في معارج القُدس ومشاهدة الكمال.. كما عرج رسول الله صلي الله عليه وسلم بنفوس أصحابه الكرام.
الشفاعة طريق التقوى ووسيلتها:
إذا ما توصَّلت النفس المؤمنة بصحبة تلك النفس العالية الكريمة وارتباطها بها إلى شهود الكمال الإلهي وارتقت إلى منزلة الحب والعشق لصاحب الكمال والجمال كان حبها وعشقها سبباً في إقبالها على ربها وبهذا الإقبال على الله تشتق هذه النفس قبساً من نور الله تعالى يُضيء لها طريقها فإذا هي مستنيرة مبصرة قد خرجت من الظلمة إلى النور ترى بهذا النور الإلهي الحق من الباطل والضار من النافع. ترى الخير خيراً فتحبه وتميل إليه وتشكر خالقها على أن أرشدها إليه فتزداد إقبالاً عليه تعالى وترتقي في منازل المعرفة والعلم درجة فدرجة، كما ترى الشرَّ شرّاً فتأنف منه وتعافه وتشكر خالقها على أن حذَّرها منه، وتلك هي حقيقة التقوى فهي اتقاء بذلك النور الإلهي واستنارة به من الوقوع في المهالك، وإلى هذه المنزلة السامية حضَّ تعالى في كتابه الكريم عباده المؤمنين فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الذينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَ آمِنُوا بِرَسُولهِ يُؤتِكُمْ كِفْلَينِ مِن رَحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ}.
موقف الشيطان من سيدنا آدم:
عرفنا موقف الملائكة الكرام من سيدنا آدم، أمَّا إبليس الذي كان من قبل كافراً بفضل الله ونعمته كما أشار تعالى إلى ذلك في كتابه الكريم ذلك المخلوق الذي لم يكن له إقبال على ربّه فلم تكتسب نفسه شيئاً من الكمال، لمَّا أُمر بالسجود لآدم أبى واستكبر، وما إباؤه واستكباره إلاَّ لكفره السابق وإعراضه، فإنه لا يعرف الفضل إلاَّ ذووه، ولا يعرف قدر رسل الله إلاَّ المقرَّبون إلى الله، ولا يُقدِّر أهل الكمال إلا من تحلَّت نفسه بحلية الإيمان واصطبغت من خالقها بصبغة الكمال.
سيدنا آدم في الجنة:
وقد أمر تعالى سيدنا آدم أن يسكن وزوجه الجنة فيأكلا منها رغداً، وفي الجنة وما فيها من نعيم، وأسمى نعيم فيها ذلك الإقبال على الله والشهود لجمال الخالق الأسنى وكماله الذي لا يتناهى، وقد ملك هذا الشهود على سيدنا آدم مشاعره فإذا هو سابح مستغرق فيه وقد أمره ربُّه أن لا يقرب الشجرة وحذَّره من عداوة الشيطان ومكره وما يكنّه نحوه من الضغينة، وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {فقُلنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدوٌ لَكَ وَلِزَوجِكَ فَلا يُخرِجَنَّكُما مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى، إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى، وَأنَّكَ لا تَظْمَؤُاْ فِيهَا وَلا تَضْحَى}.
سيدنا آدم والأكل من الشجرة:
ظلَّ سيدنا آدم عليه السلام في ذلك الحال النفسي مستغرقاً في شهود الكمال الإلهي يأكل من الثمرات رغداً دون أن يقربها ويجعل مادتها في فمه، بل كانت تسري أشعة نفسه إليها فتتذوقها ذوقاً متواصلاً كما تمتد أشعة الشمس إلى أعماق المياه فتخالطها وتسري فيها دون أن يدنو جرمها منها وقد رأى الشيطان من سيدنا آدم حبّه العالي لربه وإقباله المتواصل عليه فأحزنه ذلك وظنَّ أنه يستطيع أن يحوِّل هذا الرسول الكريم عن ذلك الحال من الشهود والإقبال ولذلك حاول أن يوقعه في مخالفة وصية الله فلعلَّه إذا أكل من الشجرة وآنس من نفسه مخالفة وصية خالقه يخجل منه ويتباعد عنه، ولذلك جاء سيدنا آدم فقال: {..يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَة الخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} أي: أتريد أن أدلَّك على الشجرة التي إذا أكلت منها خلدت نفسك في ذلك الشهود لكمال خالقك وملكت هذا الحال من الإقبال عليه فلم تنقطع عنه أبداً؟
وأقسم الشيطان بالله لسيدنا آدم وزوجه بأنهما إذا أكلا من الشجرة وجعلا مادتها في جوفهما خلدا في ذلك الشهود الجميل والإقبال الرفيع.
هنالك غلب على سيدنا آدم حبُّه لخالقه وأكل من الشجرة وأكلت زوجه منها وأنساه حبُّ الله وصية الله. وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدنَا إِلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ}: أي نسي وصيتنا نسياناً {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً}: أي لم نجد له عزماً على مخالفتنا.
وبهذا الأكل من الشجرة ظهر للملائكة الكرام حبُّ سيدنا آدم العالي لربِّه وسبقه إيَّاهم في هذا المضمار، وما مثل سيدنا آدم مع الملائكة في سبقه إيَّاهم في محبة ربِّه إلاَّ كمثل والدة أوصت ولديها الصغيرين ألاَّ يركضا في سيرهما، ومن بعد غياب طويل عادت الأم إليهما فما أن رآها أحدهما حتى غلب حبُّه إيَّاها عليه فأنساه وصيتها وهرع إليها مسرعاً فوقع ساقطاً على الأرض، وأمَّا الآخر فسار إليها سيره المعتاد حسب وصيتها، تُرى أي ولديها أكثر حبّاً لها؟. أليس الذي أنساه حبّه إياها وصيتها هو الأكثر تعلقاً بها والأعظم حبّاً؟
وإذاً فما هذا النهي عن الأكل من الشجرة إلاَّ امتحان واختبار أظهر به تعالى وهو العليم بما انطوت عليه كل نفس، شرف سيدنا آدم عليه السلام وحبَّه لربِّه وبيَّن بذلك للملائكة الكرام أن سبْق آدم وتفوُّقه عليهم في معرفته بأسماء الله ناشىء عن تفوُّقه عليهم في محبة الله وما هذه القصة إلاَّ كدرس بليغ يرينا به الله تعالى مقام هذا الرسول الكريم وسبب اصطفائه إياه كما يحذرنا به من عداوة الشيطان ومكره، وهو يعرِّفنا أنَّ من كان أكثر لربِّه حبّاً كان أكثر به معرفةً وأكثر علماً: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضرِبُهَا للنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُها إلاَّ العَالِمُونَ}.
نتائج الأكل من الشجرة:
كان سيدنا آدم عليه السلام قبل الأكل من الشجرة في حال نفسي مغاير لهذا الحال الذي نحن عليه الآن لقد كانت نفسه ثوباً ساتراً لجسده تُحيط به من كل ناحية كما يُحيط لهب الشمعة بالفتيل فإذا كان الجسد بمثابة الفتيل فالنفس بمثابة الضياء والشعلة، وهي والحالة هذه كلها عيون وكلها سمع وكلها ألسنة وذوق، ذلك كان حال سيدنا آدم من قبل وذلك هو حال أهل الجنة في الجنة.
وما أن أكل من الشجرة ووضع مادتها في فمه وأكلت معه زوجه حتى تبدَّل بهما الحال وهبطا منه إلى حال آخر فدخلت النفس إلى قفص الجسد وصارت ضمنه فعن طريقه أصبحت تسمع وترى وبواسطته غدت تتذوق وتشم وتتكلم. وقد أصبحت في هذا الحال الجديد مضطرة إلى السعي والعمل تأميناً لحاجات الجسد من مسكن وملبس ومطعم ومشرب إلى غير ذلك مما يتطلب جهداً متواصلاً وسعياً لا يفتر. ذلك هو الحال الجديد الذي صار إليه سيدنا آدم وزوجه وصار إليه بنوه من بعده وهو كما ترى مختلف كل الاختلاف عن حاله الأول الذي أشارت إليه الآية الكريمة التي مرَّت بنا من قبل وهي قوله تعالى: {إنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لا تَظْمؤا فِيهَا وَلا تَضْحَى}.
ولكن أي الحالين هو أجدى للإنسان فائدة وأكثر له نفعاً؟.
أثر العمل في تسامي النفس وقُربها من خالقها:
لا ريب أنَّ الحال الثاني هو أنفع من الأول بكثير، ففيه دخل سيدنا آدم وزوجه ودخلت ذريتهما من بعدهما في معترك الحياة، حيث العمل وحيث الإيثار والتضحية اللذان يتمايز بهما الناس على بعضهم بعضاً. ومن قواعد النفس الثابتة أنها لا تُقبل بوجهها على أحد إلاَّ إذا كانت لها أعمال عالية تجعلها واثقةً من رضاء من تُريد أن تقبل عليه، وكلَّما كانت ثقتها أكبر وجدت أنَّها أقرب إليه زلفى وأحظى عنده منزلةً.
وهذه الناحية النفسية وأعني بها الثقة التي يولِّدها العمل الصالح في النفس فيجعلها تسير قُدماً وتعرج متسامية إلى خالقها، أقول: هذه الثقة التي هي أساس القرب وسر السعادة هي التي جعلت من هذه الدار الدنيا دار العمل ممراً وطريقاً إلى الدار الآخرة، حيث الجنات والنهر في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر. وإذاً فالعمل وسيلة القُرب من الله وسبيل التمتع بذلك الشهود والنعيم الأبدي في الجنة فكلَّما كان الإنسان أحسن عملاً كان أوفر بالتمتع بذلك الجمال والكمال الإلهي حظّاً، وإنه لن يندم الإنسان ساعة موته على شيءٍ إلاَّ على تفريطه وتقصيره في العمل الصالح وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {حَتَى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ..}.
{وأَنفِقُوا مِنْ مَا رزَقْنَاكُم مِن قَبْلِ أَن يَأْتِي أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَني إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِنَ الصَّالِحينَ}.
وهكذا فهبوط سيدنا آدم إلى هذا الحال وهبوط ذرِّيته من بعده إن هو إلاَّ وسيلة السمو المتزايد والرفعة التي لا حدَّ لها، والله تعالى منذ أن خلق آدم e إنَّما خلقه ليُسكنه الأرض حيث العمل الموصل إلى التمتع بأكبر حد من عطاء الله وفضله، غير أنه تعالى إنَّما جعل ذلك السبيل الذي سلَّكه به محكاً كشف به تعالى معدن هذا الرسول الكريم وأظهر به شرفه العظيم وجعل لنا من ذلك درساً وعبرة {..وما يَتَذَكَّر إلاَّ مَن يُنِيب}.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
قارئ هذه الرساله أستحلفك بالله أن تدعوا وتقول اللهم أغفر لمن تعاونوا علي نشر هذه الرساله
naqep- مشرف قسم قصص الأنبياء والمرسلين
- عدد المساهمات : 234
تاريخ التسجيل : 01/10/2011
الموقع : ياقارئ خطي لاتبكي علي موتي فاليوم انا معك وغدا في التراب'ويامارا ع قبري لاتعجب من أمري بالأمس كنت معك وغدا انت معي'أموت ويبقى كل مانشرته ذكرى'فياليت كل من قرأ خطي دعالي
رد: سيدنا ادم "الجزء الرابع "
جزاك الله خيرا أخ نجيب والله يجعلها في ميزان حسناتك.....
*/*تحكمني قناعاتي*/*- عضو
- عدد المساهمات : 95
تاريخ التسجيل : 28/09/2011
الموقع : السعودية فديت ترابها
مواضيع مماثلة
» الصوفية من هم ؟ الجزء الرابع
» سيدنا أدم أبو البشرية "الجزء الثاني "
» سيدنا ادم أبو البشر "الجزء الأول"
» سيدنا أدم أبو البشر"الجزء الثالث"إ
» العلوية(النصيرية )الجزء الرابع
» سيدنا أدم أبو البشرية "الجزء الثاني "
» سيدنا ادم أبو البشر "الجزء الأول"
» سيدنا أدم أبو البشر"الجزء الثالث"إ
» العلوية(النصيرية )الجزء الرابع
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى