شبكة الدفاع عن الصحابة
شبكة الدفاع_قرآن_وسنه_دروس_وقصص_شعر_وبرامج_أخبار_وحكم

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

شبكة الدفاع عن الصحابة
شبكة الدفاع_قرآن_وسنه_دروس_وقصص_شعر_وبرامج_أخبار_وحكم
شبكة الدفاع عن الصحابة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

سيدنا أدم أبو البشر"الجزء الثالث"إ

اذهب الى الأسفل

سيدنا  أدم أبو البشر"الجزء الثالث"إ Empty سيدنا أدم أبو البشر"الجزء الثالث"إ

مُساهمة من طرف naqep الخميس ديسمبر 08, 2011 12:30 pm


سيدنا أدم أبو البشر" الجزء الثالث
وتعريفاً للملائكة بمقام هذا الرسول وإظهاراً لسبب تفوقه عليهم في العلم والمعرفة جعل الله تعالى طريق آدم إلى تسنُّم مقام الخلافة بشكل تظهر فيه حقيقة هذا الرسول الكريم وما اشتمل عليه قلبه من الحب العالي لخالقه لذلك وبعد أن سجد الملائكة لآدم وأبى إبليس مستكبراً، أمر الله تعالى هذا الرسول أن يسكن وزوجه الجنة، وحذَّرهما من عداوة الشيطان لهما ومكره، وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَقُلنَا يَا آدَمُ اسْكُن أَنتَ وَزوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئتُمَا..}.
وقوله تعالى: {فَقُلنَا يَا آدَمُ إنَّ هَذا عَدُوٌ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى}.
ولا بد لنا لفهم مقام هذا الرسول السامي من أن نبيِّن مفهوم الجنة وما ينطوي تحت هذه الكلمة من المعنى الدقيق فنقول:
ليس المُراد من كلمة (الجنة) قاصراً على ذلك النعيم المادي وليس نعيم الإنسان في الجنة قاصراً على التمتع بذلك المكان الجميل ذي الأشجار الوارفة والأنهار الجارية والفواكه المختلفة والظلال المديدة. فإنَّ هذه الأشياء وما شاكلها من الأشياء المادية لا تجعل من الجنة جنة ما لم يكن الإنسان إلى جانبها في سعادة نفسية وسرور معنوي وإنه لا بدَّ لمن يُقيم في مكان جميل اجتمعت فيه صنوف المسرات من أن يكون مسروراً في داخلية نفسه حتى يشعر بالسعادة ويجد نفسه في جنة.
فقد يُقيم طالبان في مكان جميل لم ترَ العين مثله، وفيما هما جالسان يبلغ الأول نبأ نجاحه في فحصه وصدور قرار تعيينه في وظيفةٍ من الوظائف العالية، وأزف موعد فحص الآخر وتأخرت عليه وسيلة النقل التي تصل به إلى مكان الفحص، تُرى هل يكون حال الثاني كحال الأول؟. لا ريب أنَّ ذلك المكان يكون على الأول جنة لما يُخالط قلبه من السرور الداخلي كما يكون على الثاني جهنماً لما يُساوره من القلق والاضطراب.
وإذاً فالجنة مأخوذة من كلمة (جَنَّ) بمعنى: ستر وأخفى، وهي في حقيقتها ذلك الشعور الداخلي الجميل المستور عن الآخرين يشعر به صاحبه وينعم ولا يطَّلع عليه أحد من الناس. أقول ويُشير إلى هذا المعنى ما جاء في الحديث الشريف قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قِيلَ وما رياض الجنَّة؟. قال مجالِسُ الذِكر».
وقوله عليه الصلاة والسلام: «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنَّة ومنبري علىحوضي»
فقد عبَّر عليه الصلاة والسلام عن ذلك المكان الذي بين منبره وقبره الشريف بأنه روضة من رياض الجنة لما يجده المؤمن الجالس في ذلك المكان بسبب ارتباط نفسه بنفس رسول الله وإقبالها بمعيَّته الشريفة على الله من النعيم النفسي والحياة بالقرب من الله، وكذا الأمر في حِلَق الذكر، وكذلك المؤمن في الدار الآخرة تجده في جنة بسبب ما يجده من النعيم النفسي العظيم بقربه من خالقه، وإنه لينتقل في منازل القُرب الإلهي، في جنَّات، فمن حالٍ إلى حال أعلى ومن نعيم إلى نعيم أسمى. وبما أنَّ الكمال الإلهي ليس له حد ولا انتهاء فليس للجنة ولا لنعيم أهلها فيها حد ولا انتهاء. ويرافق ذلك النعيم النفسي نعيم مادي مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من فواكه وثمرات وأنهار جارية من الخيرات ويتزايد هذا السرور المادي بنسبة متوافقة مع تزايد ذلك النعيم المعنوي لحظةً فلحظة وآناً فآناً، وإلى ذلك يُشير قوله تعالى: {..كلَّما رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرةٍ رِزقاً قَالُوا هَذا الذي رُزِقنا مِن قَبلُ وأُتُوا بهِ مُتَشَابِهاً..}
فهو متشابه مع سابقه في شكله مختلف عنه في ازدياد صاحبه تنعماً من حيث مرآه وطعمه، وليس لفضل الله كما ذكرنا حدٌّ ولا انتهاءٌ. ونعود بعد أن قدَّمنا ما قدَّمناه عن الجنة إلى قصة سيدنا آدم عليه السلام فنقول:
لقد أمر الله تعالى آدم عليه السلام أن يسكن وزوجه الجنة فينعم بالقرب من خالقه ويتمتَّع بشهود الجمال والكمال الإلهي ويستغرق به، وأَمَرَهُ إلى جانب ذلك أن يأكل وزوجه من الجنة رغداً.
ولكن ما هي حقيقة هذا الأكل، وكيف يأكل أهل الجنة في الجنة؟
أقول: لا بدَّ لبيان هذه النقطة من أن نقدِّم كلمة نعرِّف فيها الإنسان بذاته، وعناصره التي يتركَّب منها ويقوم عليها وجوده فنقول:
الإنسان مركَّب من نفس وجسد وروح. فالنفس: هي ذات الإنسان المعنوية الشاعرة والمدركة، فهي التي تسر وتفرح، وهي التي تتكدَّر وتحزن وهي التي تبكي وتتألم، وهي التي تضحك وتتنعَّم، فإذا وقف أحدنا مثلاً فجأةً لأول مرة أمام بحر عظيم تجد قلبه يمتلئ رهبةً وجلالاً، وإذا شاهد جريحاً متألماً تجد قلبه يذوب عليه حسرةً، وإذا سمعنا بنجاحنا في فحص أو أمر هام فإننا نطير فرحاً، والحقيقة أنَّ نفوسنا هي التي ترهب وتجل وهي التي تتألم وتتحسر، وهي التي تفرح وتُسر، وهي التي ترغب وتشغف وتُحب، وإن شئت فقل نفوسنا هي التي تتجه إلى الخالق فتُصلِّي له وتركع وتسجد. وتُسبِّح وتُمجِّد، وتشكر وتحمد، وتتوب إليه وتُعاهده. وما هذه الجوارح والحواس إلاَّ نوافذ تطَّلع منها النفس على العالم الخارجي، أمَّا هي فمستقرة في الصدر وأشعتها سارية في الأعصاب المنتشرة في سائر أنحاء الجسم. فهي تُشاهد الأشياء من نوافذ العينين وتتلقف الأخبار وتسمعها عن طريق الأذنين، كما تتذوق الأشياء وتتعرف إلى طعومها بواسطة اللسان وتلمسها بواسطة الجلد، وهي والحالة هذه حبيسة في هذا الجسد والجسد خادم لها وآلة بين يديها.
أمَّا الروح: فهي ذلك النور الإلهي الذي يسري في الجسم وفي مجاري الدم عظيمها ودقيقها فيبعث في الجسم الحرارة ويؤمِّن فيه الحياة والنماء. فبالروح قوام الجسم وبقاء وجوده، وبها استمرار حياته، فإن هي انسحبت منه خمد الجسم وبطلت فيه الحركة وفُقِدَت منه الحياة. والروح كما نرى شيء والنفس شيء آخر، والروح والجسد معاً خادمان لهذه النفس يُساعدانها على القيام بما تتطلبه من الأعمال.
هذا هو حال الإنسان في دنياه، النفس في قفص الجسد، والروح تبعث في الجسد الحياة، والجسد محيط بالنفس كما يُحيط القفص بالعصفور وكما تُحيط زجاجة المصباح الكهربائي بالشعلة من كل الجهات.
أمَّا حال الإنسان في الجنة فعلى العكس: فنفس الإنسان في الجنة هي المحيطة بالجسد وإن شئت فقل: في الجنة تلبس النفس الجسد وتُحيط به من كل جهاته، فهي ثوبه ونورها محيط به كما يُحيط لهب الشمعة بالفتيل. فإذا كان الفتيل هو الجسم فاللهب والشعلة هي النفس.
ومن هنا يتبيَّن لنا أنَّ حال الإنسان في الجنة مختلف كل الاختلاف عن حاله في هذه الحياة الدنيا التي نحياها الآن وإذا كانت نفس الإنسان في هذه الحياة الدنيوية تتذوَّق الأشياء بواسطة الفم وعن طريق اللسان، وتشاهد من وراء حجاب ولا ترى إلاَّ خيالها وصورها بواسطة العين، وتسمع الأصوات بواسطة الأذن فلا تدرك إلاَّ صدى الصوت، ففي الجنة حالها بعكس ذلك كله. فهي لا تتذوَّق بواسطة اللسان ذلك العضو الصغير، ولا تشاهد بواسطة العين كما لا تسمع بواسطة الأذن.
وبما أنَّها تلبس الجسد يومئذٍ وتُحيط به فهي تتذوَّق بكلِّيتها وكلها ذوق وتشاهد بكلِّيتها وكلها عيون، وكلها سمع وكلها شعور، تذوق وتسمع وتنطق وترى بكلِّيتها بصورة مباشرة دون وساطة عضو من الأعضاء ويكون ذوقها والحالة هذه عظيماً وشهودها واسعاً، ونعيمها تاماً.
وإذا كان الإنسان في حاله الدنيوي يشبع ولا يعود يجد لذة الطعام بعد تناوله كمية محدودة منه، فالإنسان في الجنة لا يشبع ولا يمل من شيء كما لا يجوع ولا يعطش، وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {إنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُاْ فِيهَا وَلا تَضْحَى}
ذلك لأنَّ أشعة النفس بذاتها تسري في الجنة إلى الأشياء وتُخالطها كما تسري أشعة الشمس إلى أعماق الماء فتروي ريّاً متواصلاً، كما تمتد إلى الفاكهة والأطعمة، وكلها يومئذٍ ألسنة فتذوق ذوقاً متتالياً، وتنعم نعيماً متزايداً دون أن تشعر بثقل أو ملل أو شبع فنعيمها دوماً في ازدياد لا يُنغِّصها منغِّص. وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {مَثَلُ الجَنَّةِ التي وُعِدَ المُتَقونَ تَجرِي مِن تَحْتِها الأَنهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا..}
هكذا كانت حال سيدنا آدم في الجنة، وذلك كان أكله مع زوجه. كانت نفساهما محيطة بجسديهما يأكلان من الجنة رغداً وهما إلى جانب ذلك في شهود دائمي لجمال الخالق وكماله، ونعيم متواصل بهذا القُرب من الله.
وقد نهاهما الله تعالى عن أن يقربا الشجرة لما في ذلك من الظلم لأنفسهما. وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {..وَلاَ تَقْرَبَا هَذهِ الشَّجَرةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} .
ولكن ما هذه الشجرة التي نهاهما الله عنها؟. وماذا نفهم من كلمة (وَلاَ تَقْرَبَا)؟. وما هو هذا الظلم الذي ينالهما بسبب ذلك؟
أقول إنَّ كلمة (الشَّجَرةَ) هنا لا تعني شجرة خاصة ذات نوع معيَّن، إنَّما تعني عامة الجنس وتشمل كل شجرة.. فالقمح والتفاح والرمان، وإن شئت فقل جميع الأشجار والنباتات تنطوي تحت كلمة (الشَّجَرةَ)، لأنها في حقيقتها واحدة من حيث احتواؤها على المادة التي يكون بها نماء الجسم وسريان الحياة فيه، وإن كانت مختلفة في أنواعها وطعومها وأشكالها.
أمَّا المراد من النهي عن قرب الشجرة الواردة في كلمة {وَلاَ تَقْرَبَا هَذهِ الشَّجَرةَ}، فيعني عدم وضع ثمرة الشجرة في الفم ودخول مادتها إلى الجوف، وتوضيحاً لهذا المعنى نضرب المثل الآتي فنقول: لا نستطيع أن نقول إنَّ الشمس قريبة من الأرض وإن كانت أشعتها منصبة على الأرض سارية في مياهها وبحارها ملامسة كل جزء من أجزاء سطحها ما دام جرمها بعيداً عنها، كذلك سيدنا آدم وإن كانت نفسه سارية إلى تلك الثمرات متصلة بها متنعمة بذوقها فهي غير قريبة منها ما دامت مادة الثمار بعيدة عن جسمه ولم تدخل إلى جوفه، وقد نهاه الله تعالى وزوجه أن يقربا الشجرة أي أن يتناول الثمار ويضع مادتها وجرمها في فمه "أي الأكل الجسمي مع النفسي".
وتُشير كلمة {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} إلى أن وضع الثمرة في الفم ودخولها إلى الجوف يكون سبباً في تبدّل الحال الذي كانا عليه في الجنة. فوضعهما بعد دخول الثمرة إلى الجوف يتطلَّب من التعب والعناء وبذل المجهود في سبيل الحصول على الطعام وتأمين الغذاء اللازم للجسم مالا يتطلبه حالهما الذوقي الأول. "النفسي فقط دون مشاركة الجسد".
وبشيءٍ من التفصيل نقول كان سيدنا آدم وزوجه يتذوقان في الجنة ذوقاً دون أن يبذلا جهداً في زراعة أو حصد أو أي عمل من الأعمال التي يتطلبها تحضير الأطعمة، فقد كان الحكم للنفس وكانت لها السيطرة على الجسد وما كان الجسد إلاَّ مركزاً لهذه النفس. أمَّا بعد تناول الثمرة ودخول مادتها إلى الجوف فسيتغير بها الحال، ستكون السيطرة للجسم وستصبح النفس ضمن هذا الجسد كما نحن عليه الآن في حالنا الدنيوي ولا ريب أنَّ هذا الحال مختلف كل الاختلاف عن الحال الأول وستكون الحياة متوقفة على تغذية الجسد وتقويته وتزويده بالمادة اللازمة، وسيضعف هذا الجسد وسيجوع ويعطش، وبالتالي ستتألم ساعة احتياج الجسد لهذه المادة.
ولا شك أن هذا يتطلَّب من الإنسان جهداً دائباً وعملاً متواصلاً. وفضلاً عن أن تذوق النفس وتنعمها بالأشياء سيكون من وراء حجاب وبالواسطة، فلا تستطيع أن تتذوق الأشياء إلاَّ عن طريق اللسان وكذلك حالها في الرؤية والسمع والشم، وإلى جانب ذلك كله لا تعود النفس تتنعَّم بالأشياء بمقدار واسع لا حدَّ له فإنَّ الجسم يكتفي بكمية معينة من الطعام والشراب، فإذا تناول أكثر من حاجته تضايق وبالتالي تألَّمت النفس من هذه الزيادة، وعلى هذا فالذوق في هذا الحال محدود والإنسان مرغم على العمل لا يستطيع أن يقعد عنه تأميناً لحاجات الجسد، وفي ذلك ما فيه من التعب وبذل المجهود وذلك ما أشارت إليه الآية الكريمة في قوله تعالى: {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}.
وقوله تعالى: {..فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشقَى} .
لقد عرف سيدنا آدم ما يتبع الأكل من الشجرة من متاعب الحياة وما يتطلبه العيش بعد الأكل منها من جهد وعناء، وعرف أنَّ الله تعالى إنَّما نهاه عن الأكل منها وقاية له من تلك المتاعب، غير أن حُبّه العظيم لخالقه أنساه وصية الله تعالى وتلك هي المرتبة التي أهَّلت هذا الرسول الكريم لأن يكون خليفة الله في أرضه وأن يسجد له الملائكة الكرام. فقد وسوس له الشيطان أي: خاطبه خطاباً نفسياً فقال: {..يَا آدمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرةِ الْخُلدِ وَ مُلكٍ لا يَبْلَى} .
والمراد بكلمة {شَجَرةِ الْخُلدِ} أي: الشجرة التي إن أكلت منها خلدت في الجنة أي في ذلك النعيم النفسي الذي تجده بالقرب من خالقك. والمراد بكلمة {وَ مُلكٍ لا يَبْلَى}: أي ملكت ذلك الحال النفسي الذي أنت فيه فلم تنقطع عن هذا الشهود للكمال الإلهي وظللت دائم الأنس به.
ولعلك تقول: كيف وسوس الشيطان لآدم e والأنبياء معصومون؟.
فأقول: إذا كان أحدنا اليوم يجتمع بكافر ويتحدث إليه فليس معنى ذلك أنه سيطر على نفسه أو تسلَّط عليها وكذلك الأمر بالنسبة لسيدنا آدم عليه الصلاة والسلام فلمَّا كانت نفسه محيطة بجسده كانت مقابلة الشيطان له مقابلة نفس لنفس وكان الخطاب بينهما نفسياً، وليس في ذلك أدنى سيطرة أو تسلُّط على سيدنا آدم ، وقد أقسم الشيطان لسيدنا آدم وزوجه أنه لهما من الناصحين. وإلى ذلك تشير الآية الكريمة: {وَقَاسَمَهُمَا إِني لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}.
وحيث أن آدم عليه السلام عرف عظمة خالقه وجلاله فما كان يظن أن أحداً يجرؤ على أن يحلف بالله كذباً لذلك أقسم له الشيطان ولزوجه بالله، أكل من الشجرة وأكلت معه زوجه حرصاً على البقاء في ذلك الحال النفسي الجميل من الإقبال على الخالق واستدامة لهذا الشهود للكمال الإلهي، وأنساه حب خالقه وصيَّته.
وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً}: أي نسي وصيتنا نسياناً ولم نجد له عزماً على المخالفة، كما تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ..}: إلى كذب الشيطان وتغريره وتحذير الإنسان منه.
فدلاَّهما: أي أدناهما من الثمرة وجعلهما يتناولان مادتها ويضعانها في فمهما. والغرور: هو أن يتوهَّم الشخص بأنه يكسب بفعله خيراً عظيماً أكثر ممَّا هو في يده مع أنَّ الحقيقة خلاف ذلك، وكذلك الشيطان إنَّما {فدَلاَّهُمَا} أي: أدناهما من الثمرة. {بِغُرُورٍ} أي: بإيهامه إياهما بأن الأكل منها يكون سبباً في بقائهما في ذلك الحال من الإقبال العالي على الله بصورةٍ دائمية مع أنَّ الحقيقة تخالف ذلك، إذ أن غايته أن يوقعهما في الخجل والحياء من الله بمخالفة وصيَّته، وبذلك يصل إلى مطلوبه من إبعادهما عن الله ومن هنا يتبيَّن لنا عداوة الشيطان للإنسان كما يتبيَّن لنا حب سيدنا آدم لربِّه وحرصه على دوام الإقبال عليه.
ولكن ماذا أعقب الأكل من الشجرة؟.
لقد بيَّن لنا ذلك تعالى بقوله: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيطَانُ عَنْها فَأخرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ..}
{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيطَانُ عَنْها}: أي: أزلقهما وحوَّلهما عن الجنة، أي عن النعيم النفسي الجميل فأخرجهما من ذلك الحال الذي كانا فيه، وتُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {فَوَسوَسَ لَهُمَا الشَّيطَانُ لِيُبديَ لَهُمَا مَا وُوريَ عَنْهُمَا مِن سَوءَاتِهِمَا..} إلى غاية الشيطان من وسوسته فقد كان يُريد بوسوسته لهما أن يسوءهما ويحزنهما بتحويلهما عن الله والإقبال عليه. وبالحقيقة كان الحُزن والكرب بعيداً عن آدم وزوجه إذ كانا مستغرقين في شهود الجمال والكمال الإلهي، وما دام الإنسان في حضرة الله مغمورة نفسه بتجلِّيه، عاكفاً في شهود جماله تعالى وتجلِّيه فلا يمكن للكرب والحزن أن يتسرَّب إلى نفسه.
غير أنَّهما لمَّا ذاقا الشجرة ودخلت نفساهما إلى داخل جسديهما انتبها إلى ما صدر منهما من مخالفة الوصية الإلهية فتحوَّلت نفساهما عن الله خجلاً واستحياءً وقد استاء آدم وزوجه كثيراً من هذا الحال وأحاط بهما الكرب والحزن من ذلك، وهذا هو المراد من كلمة (سَوْءَاتُهُمَا): {..فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا..} أي: ظهر لهما ما يسوءهما من الخروج من ذلك الحال النفسي الجميل الذي كانا فيه فأصبحت حياتهما كرباً وأحزاناً بهذا التحول وذلك الحياء والخجل.
وقد جعل آدم عليه السلام وزوجه يُحاولان أن يعود لهما ذلك الحال الأول الذي كانا فيه، وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {..وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجَنَّةِ..}. (وَطَفِقَا) أي: شرعا وأخذا. (يَخْصِفَانِ) أي: يُدنيان منهما، والورق هو: ما ستر الأذى عن الثمر ويكون سبباً في نمائه الجيد ونضارته وحسنه. والمراد بكلمة (وَرَقِ الجَنَّةِ) هنا: ذلك الالتجاء والتذلُّل الذي به يعود لهما ذلك النعيم وتلك الحالة النفسية الجميلة التي كانا فيها، ويكون ما نفهمه من كلمة (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجَنَّةِ) أي: شرعا في الحال وبادرا إلى الالتجاء إلى الله تعالى والتذلُّل الذي يعيد لهما ذلك التجلي الإلهي الذي به نعيم نفوسهما ودوام أنسهما بربهما.
ونتبع الآن شرح الآية السابقة بذكر شرح الآية التالية وهي قوله تعالى: {..وَعَصَى آدَمُ رَبَّه فَغَوَى}
لا نستطيع فهم المراد من كلمة (وَعَصَى آدَمُ رَبَّه) الواردة في هذه الآية إلاَّ إذا نحن قرنَّاها إلى الآيات الأخرى الواردة في هذا الخصوص كآية: {وَلَقَدْ عَهِدنَا إلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ}.. ومن هنا نفهم أنَّ المعصية أي مخالفة الوصية قد تكون في بعض الأحيان عن نسيان الوصية لا عن قصد المخالفة ويؤيد ذلك قوله تعالى: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً}: أي أن مخالفة آدم لوصية ربِّه كانت عن نسيان الوصية لا عن تصميم وعزم على المخالفة.
أما كلمة (فَغَوَى): فإنما هي بمعنى أخطأ الطريق الموصل إلى الغاية المطلوبة، فآدم إنما أكل من الشجرة رغبة في استدامة المشاهدة لذلك التجلِّي وطمعاً في الخلود في هذا الحال من الرؤية للكمال الإلهي غير أنَّ أكله من الشجرة لم يوصله إلى مقصده هذا بل كان سبباً في احتجاب نفسه عن ذلك الشهود وتلك الرؤية فما أن دخلت مادة الثمرة إلى جوفه حتى لحقتها النفس كما ذكرنا من قبل وهنالك قُطعت عن ذلك الشهود وغدت مستورة بحجاب الجسد فأصبحت في معزل عن ذلك الحال الأول من مشاهدة الكمال والتجلِّي الإلهي، وهي لا تستطيع العودة إليه إلاَّ بعمل تقدِّمه بين يديها فيكون لها منه سبيل إلى التغلب على هذا الجسد وسبب إلى الخروج من عدم الرؤية إلى ميدان الرؤية والمشاهدة.
وحيث أن آدم وزوجه أحاط بهما الحياء والخجل من نسيانهما وصية خالقهما فقد لبثت نفساهما محتجبة عن ذلك الشهود وضاقت نفساهما بهذا الحال ضيقاً شديداً وجعلا يلتجئان إلى الله، وذلك مما كنا رأيناه من قبل في قوله تعالى: {وَطَفِقَا يَخصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجَنَّةِ}
والآن وبعد أن بيَّنا المراد من آية: {..وَعَصَى آدَمُ رَبَّه فَغَوى} نستطيع أن نأخذ منها العبرة التالية، هذه الآية تقول: إن مخالفة الوصية الإلهية إنما تعود على الإنسان دوماً بالكرب والضيق وبخلاف ما يتوقعه، ولك أيها الإنسان فيما وقع لأبيك آدم من قبل عبرة باقية إلى الأبد، فقد أعطاكم درساً خالداً لا تنساه، فما تجرُّ لك مخالفة وصيّة خالقك سوى الندم والحسرة وما توقعك إلاَّ في عكس ما ترجوه.
ونعود الآن إلى تلك النقطة التي كنا بصددها فنقول:
وممّا يؤيد لنا أنَّ أكل آدم عليه السلام وزوجه من الشجرة كان عن نسيان الوصية وسعياً وراء غاية نبيلة وهي الخلود في شهود الكمال الإلهي ما جاء في الآية الكريمة التالية: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}
وقوله تعالى: {إنَّ اللهَ اصْطفَى آدمَ ونُوحاً وَآلَ إبْراهِيمَ وآلَ عِمْرانَ عَلَى العَالمِينَ} .
فالله تعالى لا يمكن أن يجتبي إليه عاصياً آثر الأشياء الدنيئة على رضاء خالقه وإنما يكون الاجتباء والاصطفاء لإنسان كريم الصفة عالي المطلب آثر الكمال وشُغف به.
ولكن كيف وقع هذا الاجتباء والإدناء بعد الأكل من الشجرة؟.
أقول: لقد بيَّن لنا ذلك تعالى بقوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَبهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ..}.
فالله تعالى بعلمه بما في نفس آدم ع السلام من النية العالية من الأكل من الشجرة ناداه أن: يا آدم قد علمنا نيَّتك من عملك، فما كان أكلك من الشجرة إلاَّ حبّاً بي، لقد أنساك حبُّك العظيم لي وصيتي فلا تخجل ولا تغض حياءً مني، فلك من نيَّتك العالية ما يجعلك تعود إلي في الحال. وما أن سمع آدم عليه والسلام ذلك من ربِّه، وما أن نظر إلى نيَّته العالية حتى عاد متسارعاً إلى ربِّه مقبلاً عليه، فتاب عليه ربه، أي فعاد عليه في الحال بتجلِّيه، {..إِنَّهُ هُوَ التَّوابُ الرَّحِيمُ}. فهو تعالى التواب إذ يسوق للإنسان دوماً ما يجعله يؤوب ويعود لخالقه ليتفضّل عليه بنعمته ويغمره ببرّه ورحمته.
يتبع لضيق المساحة وتيسيرأ علي القارئ..........................................
@@@@
naqep
naqep
مشرف قسم قصص الأنبياء والمرسلين
مشرف قسم قصص الأنبياء والمرسلين

عدد المساهمات : 234
تاريخ التسجيل : 01/10/2011
الموقع الموقع : ياقارئ خطي لاتبكي علي موتي فاليوم انا معك وغدا في التراب'ويامارا ع قبري لاتعجب من أمري بالأمس كنت معك وغدا انت معي'أموت ويبقى كل مانشرته ذكرى'فياليت كل من قرأ خطي دعالي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى